اليوم العالمي للتثلث الصبغي 21.. لحظة مهمة للتفكير بشأن إدماج الأشخاص المصابين
مها رشيد (ومع)
يحتفل العالم في 21 مارس من كل سنة باليوم العالمي للتثلث الصبغي 21. وبعيدا عن الجانب الاحتفالي، يرمز هذا اليوم إلى لحظة مهمة للتضامن والتفكير والعمل لفائدة إدماج الأشخاص ذوي التثلث الصبغي 21.
وتتميز هذه الحالة الجينية، المعروفة أيضا باسم “متلازمة داون”، بوجود نسخة إضافية من الكروموسوم 21. ففي الأصل، تحتوي كل خلية بشرية على 23 زوجا من الكروموسومات، أي ما مجموعه 46 كروموسوما، ومع ذلك، بالنسبة للتثلث الصبغي 21، توجد نسخة إضافية من الكروموسوم 21، لتشكل بذلك ما مجموعه 47 كروموسوما.
وقد تظهر لدى الأشخاص المصابين بالتثلث الصبغي مجموعة من الأعراض والخصائص الجسدية المميزة، بما في ذلك التأخر في النمو، وملامح وجه خاصة، وصعوبات في التعلم، وتقلب في التطور الحركي.
وعلى الرغم من أن التثلث الصبغي 21 حالة وراثية عضال، إلا أن التدخلات الطبية والتعليمية والاجتماعية الملائمة يمكن أن تساعد الأشخاص المصابين على الرفع من قدراتهم إلى أقصى حد، وتحسين جودة حياتهم والمشاركة بحيوية في المجتمع.
وبالعودة إلى اليوم العالمي للتثلث الصبغي 21، فإنه يشكل فرصة لزيادة وعي الجمهور العريض بهذه الحالة الجينية والتحديات التي يواجهها الأشخاص المصابون بها.
ويسعى هذا اليوم العالمي إلى محاربة الصور النمطية والأحكام المسبقة والتمييز، من خلال تسليط الضوء على مميزات التثلث الصبغي21 والاحتياجات المحددة للأشخاص المصابين والتحديات التي يواجهونها يوميا، وبالتالي فهو ي مك ن من تعزيز فهم أفضل للتثلث الصبغي 21 وتعزيز الإدماج الاجتماعي للأشخاص المعنيين.
وبالإضافة إلى ذلك، يوفر اليوم العالمي للتثلث الصبغي مناسبة للاحتفاء بنجاحات ومساهمات الأشخاص المصابين، وتسليط الضوء على المواهب والإنجازات والمسارات الملهمة للأشخاص ذوي التثلث الصبغي. كما يحتفي اليوم العالمي بالتنوع البشري ويبرز أهمية الاعتراف بالقيمة الجوهرية لكل فرد، بغض النظر عن تكوينه الجيني.
وفي المغرب، يكتسي هذا اليوم دلالة خاصة، حيث يشهد على تضافر جهود السلطات ومنظمات المجتمع المدني والأفراد للنهوض بحقوق ورفاه الأطفال ذوي التثلث الصبغي وأسرهم.
وترتكز هذه الجهود على عدة محاور رئيسية، بدءا بالتوعية والولوج إلى التربية الدامجة مرورا بتحسين الخدمات الصحية.
وبالفعل، تعمل المملكة بنشاط قصد تعزيز فهم أفضل لهذه الحالة الوراثية وتشجيع الإندماج الاجتماعي للأشخاص المصابين. وتروم هذه المبادرات أيضا تقوية دعم الأسر وتشجيع تقبل التنوع في المجتمع.
وفي هذا الصدد، يضطلع آباء الأطفال المصابين بمتلازمة داون بدور أساسي في هذه المعركة من أجل الاندماج، إذ يواجهون تحديات فريدة، لكن تفانيهم وحبهم غير المشروط لأطفالهم يمثلان مصدر إلهام للجميع.
وتقاسم عدد من الآباء، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، تجاربهم ومعاركهم وآمالهم من أجل مستقبل أطفالهم ذوي التثلث الصبغي.
وقال جمال، وهو والد طفل يبلغ من العمر 9 سنوات مصاب بمتلازمة داون، وعلامات التأثر بادية على محياه، إن “صفوان نعمة في حياتنا. كل يوم هو درس في الحب والصمود. نحن مصممون على توفير أفضل الفرص له وتعزيز اندماجه في المجتمع”.
من جهتها، تقاسمت ليلى، وهي أم لفتاتين صغيرتين، إحداهما من ذوي التثلث الصبغي 21، تجربتها، بالقول “لقد واجهنا عقبات، لكننا ما زلنا متفائلين. ابنتنا شغوفة بالحياة والفرح. سنواصل الكفاح لكي تتمكن من تحقيق أحلامها”.
وفضلا عن ذلك، يشكل الولوج إلى تعليم جيد أولوية رئيسية. فالأطفال المصابون بالتثلث الصبغي لهم الحق في الولوج إلى تربية دامجة كفيلة بتلبية حاجياتهم الخاصة وتعزز تنميتهم الشاملة.
ويتم، في هذا الاتجاه، وضع برامج تعليمية داخل المدارس، تلائم هذه الشريحة من المجتمع، مع دعم فردي لكل طفل مصاب بالتثلث الصبغي 21، من أجل توفير بيئة تعليمية دامجة والعناية اللازمة.
وتعد الأطر التربوية، مثل سعيدة بنيحيى، وهي معلمة بالسلك الابتدائي، فاعلين رئيسيين في تطور هؤلاء الأطفال. وأكدت سعيدة أهمية خلق بيئة دامجة داخل الفصل الدراسي “كل طفل يستحق الترحيب والدعم في مساره التعليمي. من خلال إدماج الأطفال المصابين بالتثلث الصبغي في أقسامنا الدراسية، فإننا لا نعزز تطورهم فحسب، بل تطور جميع التلاميذ”.
وعلى الرغم من التقدم المحقق، ما تزال هناك تحديات، حيث يبقى الولوج إلى الخدمات المتخصصة محدودا في بعض الجهات، ولا سيما بالمناطق القروية، كما أن الوصم الاجتماعي ما يزال يشكل عائقا رئيسيا أمام الإدماج.
ومع ذلك، فإن اليوم العالمي لمرض تثلث الصبغي 21 يأتي ليذكر بقوة بأهمية المثابرة في هذه الجهود ومضاعفة الانخراط لفائدة الإدماج واحترام حقوق كل فرد.
ومن خلال الاحتفال بالتنوع والاعتراف بالقيمة الجوهرية لكل شخص، بغض النظر عن تراثه الجيني، يمكننا العمل معا لخلق عالم تتاح فيه لكل فرد الفرصة لتحقيق إمكاناته الكاملة والمساهمة في مجتمع أكثر عدلا، ودامجا، ورعاية.
ويجسد اليوم العالمي لمرض تثلث الصبغي 21 روح الاندماج هذه والأمل، ويذكرنا بأن قوتنا تكمن في تنوعنا وقدرتنا على دعم بعضنا البعض في رحلتنا نحو مستقبل أفضل.