الأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية .. دعم المرضعات العاملات في أماكن العمل ضرورة أم ترف ؟

0

بقلم: حسنى أفاينو-ومع

تجد المرأة المرضع العاملة، بعد انتهاء عطلة الأمومة واستئناف عملها، نفسها عالقة بين متطلبات العمل وتبعاته، ومسؤولية رعاية مولودها وتمكينه من حقه في الرضاعة الطبيعية خاصة في الشهور الأولى من عمره التي تعد أساسية لنموه السليم والآمن وفق الأخصائيين في مجال الصحة.

ومن ثم تطرح جملة من الأسئلة مفادها؛ هل صحة المواليد والأم أيضا، مسؤولية الأم وحدها أم مسؤولية المجتمع برمته؟ وهل يعد توفير الدعم للمرضعات العاملات ضرورة أم ترفا؟ وما مقدار الدعم الذي يمكن أن يقدم لهذه العاملة المرضع التي تسهم في التنمية؟ وهل الإجراءات القانونية الحالية المتعلقة بحقوق الأمومة منصفة بما يكفي لحماية حقوق المرضع العاملة؟

في هذا الإطار، تقود منظمة الصحة العالمية، بمناسبة الأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية الذي يوافق الفترة ما بين 1 و 7 غشت لهذا العام، حملة عالمية تحت شعار “دعونا نجعل الرضاعة الطبيعية والعمل أمرا ممكنا !” وذلك بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) والعديد من وزارات الصحة والشركاء من المجتمع المدني بغرض دعم المرأة المرضعة العاملة حتى لا تضطر إلى التخلي عن الرضاعة الطبيعية قهرا حرصا على مصدر لقمة العيش.

وتروم المنظمة من خلال هذه الحملة تعزيز أفضل الممارسات الداعمة للرضاعة الطبيعية في مكان العمل في مختلف البلدان وتعزيز الإجراءات المساعدة على جعل الرضاعة الطبيعية أمرا ممكنا بالنسبة لجميع النساء العاملات، مهما كان عملهن.

وتشير الأرقام، وفق منظمة الصحة العالمية، إلى أن نصف مليار امرأة عاملة لا يستفدن من المقتضيات الأساسية المتعلقة بالأمومة في الوقت الراهن، وأن أقل من نصف عدد الرض ع ما دون 6 أشهر فقط يستفيدون من الرضاعة الطبيعية الخالصة.

وفي ما يتعلق بالمغرب، تقول رئيسة المنظمة الديمقراطية للمرأة العاملة إيمان غانمي، بشأن الصعوبات التي تواجه النساء العاملات المرضعات، إن واقع الحال يثبت في كثير من الحالات أن الرضاعة الطبيعية والعمل أمران لا يمكن التوفيق بينهما، خصوصا بعد انتهاء إجازة الأمومة حيث يتحتم على الأم العودة إلى عملها، بما يحرم الطفل(ة) من الاستفادة من الفوائد الصحية العديدة للرضاعة الطبيعية، ويعيق المرأة العاملة من تحقيق التوازن الفاعل بين العمل والمسؤوليات الأسرية، بما لذلك من انعكاسات إيجابية على التماسك الأسري وعلى دعم التنمية المستدامة في كل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

وأشارت إيمان غانمي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إلى ضرورة التمييز في هذا الصدد بين الحرص على ضمان الممارسة الفعلية للحق في الرضاعة أثناء فترات العمل، وبين مجرد الاعتراف بهذا الحق، مستحضرة في هذا السياق العديد من الضغوط والإكراهات التي تعاني منها المرأة الأجيرة على وجه الخصوص، في ظل “تنصل العديد من المقاولات من المقتضيات القانونية ذات الصلة، واستخفاف بعض المشغلين بها لهزالة العقوبات الزجرية، ناهيك عن مجموعة من الثغرات القانونية التي تستوجب تداركها”.

وإذا كان المغرب قد التزم على غرار أغلب الدول عبر العالم بهذا الحق، واعتبره من أهم الحقوق المكتسبة للعاملة المرضعة أثناء عملها، بغض النظر عن طبيعة ومدة عقد عملها الذي يربطها بالجهة المشغلة، إلا أن ممارسات بعض أرباب العمل والمؤسسات المشغلة، تقول السيدة غانمي، “جعلت من ممارستها الفعلية لهذه الحقوق أمرا صعبا إن لم نقل مستحيلا”.

وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن المشرع في القانون المغربي نص على حق المرضعة العاملة في ساعة استراحة للرضاعة يوميا على مدى 12 عشر شهرا، ابتداء من تاريخ استنفاذ رخصة الولادة المحددة في أربعة عشر (14) أسبوعا، وهذه الساعة يؤدى عنها الأجر باعتبارها وقتا من أوقات الشغل، وتكون مستقلة عن فترات الراحة المعمول بها داخل المؤسسة المشغلة، كما يسمح القانون للعاملة المرضعة بأن تستفيد من فترة الرضاعة المخصصة لها في أي وقت من أيام العمل بموافقة المشغل. غير أن هذه المدة تبقى “غير كافية” حسب رئيسة المنظمة الديمقراطية للمرأة العاملة، وترى أنه “يجب أن يتم تمديدها الى سنتين كاملتين نظرا لأهمية الرضاعة الطبيعية في هذه الفترة وفقا لما أكدته الدراسات في هذا الباب”.

وحول مدى فعالية النصوص الداعمة للمرضعة العاملة في مدونة الشغل الجاري بها العمل في المغرب، أبرزت الناشطة النسوية، أن المشرع نص على وجوب توفير قاعة خاصة للرضاعة داخل كل مقاولة يتجاوز عدد الأجيرات فيها 50 أجيرة؛ موضحة أن هذا الشرط يؤدي في الواقع إلى حرمان المرأة العاملة المرضعة من الاستفادة من حقها في إرضاع طفلها في الحالة التي لا يصل فيها عدد الأجيرات إلى 50 أجيرة، لافتة إلى أن بعض المشغلين “يعمدون إلى عدم تجاوز 49 عاملة داخل المقاولة والتنصل من هذا المقتضى. بل حتى المقاولات التي تشغل أكثر من 50 أجيرة لا تلتزم بالشروط والمواصفات المطلوبة في الغرف الخاصة بالرضاعة، نظرا لهزالة العقوبة الزجرية ذات الصلة”.

وفي ما يخص الحلول المقترحة الكفيلة بحماية حقوق الأمومة والطفولة معا في هذا السياق، أبرزت غانمي أن الآليات التي من شأنها تذليل الصعوبات التي تحول دون ممارسة العاملة لحقها الطبيعي في الرضاعة تتراوح ما بين ردعية وأخرى طوعية؛ موضحة أن الآليات الردعية تتجسد في تقوية دور جهاز تفتيش الشغل، في الحرص على احترام وتطبيق الأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بعلاقات الشغل الفردية والجماعية، سواء من خلال شكايات النساء العاملات المرضعات، أو من خلال ما يكتشفه من خرق لهذا الحق أثناء الزيارات التفقدية لأماكن العمل.

أما الآليات الطوعية، تضيف المتحدثة، فيمكن تلخيصها في تبني مفهوم “المؤسسة الصديقة للأسرة”، لكون المسؤولية الاجتماعية للمقاولة تفرض عليها تخصيص فضاءات للحوار والتنسيق مع العاملة المرضعة وتوزيع فترة الرضاعة بما يتناسب مع ظروفها ويخدم مصلحة الطفل. إلى جانب العمل على تجويد النصوص القانونية ذات الصلة، وتمديد مدة استفادة الأم العاملة المرضعة من وقت الارضاع لسنتين كاملتين، وتجاوز تحديد المشرع لعدد 50 أجيرة في المادة 162 من مدونة الشغل، والاكتفاء بفرض وإلزام المقاولات بإنشاء قاعات وغرف خاصة بالإرضاع بغض النظر عن عدد الأجيرات العاملات.

وتدعو منظمة الصحة العالمية إلى تبني استراتيجية للدفاع عن حقوق الأمومة الأساسية الداعمة للرضاعة الطبيعية، من خلال سن تشريعات داعمة تنص على إجازة أمومة مدفوعة الأجر لمدة لا تقل عن 18 أسبوعا ، وي ستحسن أن تزيد على 6 أشهر، واعتماد تدابير مرنة بعد العودة إلى العمل (جداول عمل مرنة، رعاية الطفل في عين المكان، العمل عن بعد، العمل بدوام جزئي،…) إلى جانب التصدي للتمييز المتصل بالعمل ضد النساء، بما في ذلك أثناء الحمل والولادة وبعدهما. وهي تدابير عملية تروم ضمان حماية الأمومة والطفولة والمجتمع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.