كيف يمكن التقليل من مخاطر الأشعة المنبعثة من أجهزة الاتصال؟
تعمل الهواتف المحمولة على إرسال البيانات واستقبالها، من خلال الموجات الكهرومغناطيسية، وتُسمى أيضاً بموجات الميكروويف، بترددات تتراوح بين 450 و2700 ميغاهيرتز، وطاقة تتراوح بين 0.1 و2.0 واط، حسب تقرير منظمة الصحة العالمية (WHO).
ليس الهاتف إلا واحد فقط من ضمن مجموعة أجهزة اتصال عديدة أخرى أصبحت لا تفارق معظم الأشخاص كباراً أو صغاراً.
وقضاء الساعات في تصفح الهاتف، وساعات أخرى في التحدث من خلاله، وأخرى بحمله حتى نصل إلى وضعه على بُعد مسافة لا تتجاوز المتر خلال ساعات النوم أيضاً، يدفعنا إلى التساؤل حول درجة أمان هذا الجهاز ودرجة تأثيره وتأثير الإشعاعات المنبعثة منه في صحتنا الجسدية والعقلية.
مستويات الإشعاع المنبعث
تعمل الهواتف المحمولة على إرسال البيانات المسموعة والمقروءة والمرئية واستقبالها، من خلال الموجات الكهرومغناطيسية، وتُسمى أيضاً بموجات الميكروويف، بترددات تتراوح بين 450 و2700 ميغاهيرتز، وطاقة تتراوح بين 0.1 و2.0 واط، حسب تقرير منظمة الصحة العالمية (WHO).
وتُسمى كمية التعرُّض للأمواج الصادرة من الجهاز بـ”الامتصاص النوعي” (SAR Specific Absorption Rate)، وبتعريفها فهي كمية الطاقة الكهرومغناطيسية التي يجري امتصاصها لكل وحدة كتلة (Watt/Kg).
وحسب توصيات اللجنة الخاصة بالحماية من الإشعاع غير المؤين (ICNIRP) التابعة لمنظمة الصحة العالمية، فإنّ الحدّ الأقصى المسموح به من كمية الطاقة هو 2 واط/كغم، ويجري قياسه من خلال برامج حاسوبية تقديرياً لكل جهاز يُصنّع ويُوافَق، وهذا لجميع شركات الهاتف المحمول المرخصة والخاضعة للرقابة، وبالطبع توجد فروق بين أجهزة الهواتف المحمولة من حيث قيمة الامتصاص النوعي، لكن جميعها لا تتجاوز 2 واط/كغم.
من ناحية أخرى، فإنّ مكان الجهاز أو الظروف المحيطة به تزيد أو تقلل من كمية الطاقة وكمية الإشعاع اللتين يتعرض لهما الشخص، فكل جهاز مصمم لتغيير قدرة البث بشكل تلقائي عند الضرورة.
وعلى سبيل المثال، عندما تكون محطة البث بعيدة عن الجهاز أو يكون الجهاز في منطقة معزولة مثل المصعد أو غرف العزل، فإنّ الجهاز تلقائياً يعمل على تغيير قدرة بثه لإيصال الرسائل والعمل بكفاءة، بالتالي يزيد من الطاقة والإشعاع الصادرَين عنه ما يزيد من مستويات التعرّض، وفقاً لدراسة سويدية نُشرت عام 2006، إذ وُجد أنّ نسبة التعرّض للإشعاع كانت أعلى في المناطق البعيدة أو المعزولة مقارنةً بالمناطق الأقرب لمحطات البث.
كما تزيد طريقة استعمال الجهاز من تعرّض الشخص للإشعاع، فمثلاً استعمال الجهاز لإجراء المكالمات بشكل مباشر يعرّض الرأس لنسبة إشعاع أعلى من النسبة التي يتعرض لها عند استعمال الجهاز على بُعد مسافة عند استخدام سماعات الرأس مثلاً.
كما أنّ نمط استعمال الشخص للجهاز يحدّد زيادة نسبة الإشعاع أو تقليلها، فهناك فرق بين استخدام الجهاز لإجراء المكالمات لوقت طويل وحمله بشكل قريب معظم الوقت، مقارنةً باستخدامه مثلاً للرسائل المكتوبة والمقروءة ولساعات محدودة أكثر وعلى بُعد لا يقل عن 30- 40 سنتيمتراً، حسب الصحة العالمية.
تأثير على الصحة: آراء متباينة
ويبقى الجدل قائماً حول ما إذا كان للأشعة الكهرومغناطيسية التي تبثها الهواتف المحمولة أثر على الصحة، ولهذا تتبنى منظمات ولجان عالمية عدّة مسؤولية إجراء دراسات حول التأثير المحتمل لهذه الأشعة لا سيّما على الدماغ، ومن أهم هذه المنظمات واللجان: منظمة الصحة العالمية (WHO)، واللجنة الدولية للحماية من الإشعاع (ICNIRP).
من خلال الدراسات المتعددة التي أجريت حول تأثير أشعة الميكروويف ومن ضمنها الأشعة المنبعثة من الهواتف المحمولة في صحة الإنسان، لم يجرِ إثبات أي تأثيرات صحية محدودة باستعمال الهواتف المحمولة بدرجة أقل من الدرجة التي تسبّب ارتفاع حرارة النسج في الجسم.
وتكشف الدراسات العلمية والتجريبية عن عوائق عديدة، من أهمها أنّ التأثيرات بعيدة المدى مثل اختلال وظائف الدماغ، لا يمكن الكشف عنها إلا بعد مرور فترات طويلة من التعرّض للمؤثر، على فرض أنّ الهاتف المحمول هو المؤثر، فيجب انتظار سنوات عديدة منذ بدء الدراسة لحين ظهور نتائج، كحدوث حالات سرطان بين المشاركين في الدراسة، ولن تكون النتائج حاسمة، إذ إنّ فترات ظهور أي مرض أو عارض تُعتبر متفاوتة، ولا يمكن تحديد حدّ أقصى لها.
أما السرطانات، فيمكن تقييمها نظراً لتطورها خلال فترات زمنية قصيرة، والدراسات التي أجريت جميعها خلصت إلى أنّه لا تأثير واضحاً للأشعة الكهرومغناطيسية في زيادة مخاطر الإصابة بالسرطان والأورام الدماغية، ومن ضمنها دراسة “إنترفون” (INTERPHONE) الشهيرة التي نفذتها الوكالة العالمية لبحوث السرطان (International Agency For Research On Cancer).
وكان الهدف من هذه الدراسة تحديد ما إذا كانت الأشعة المنبعثة من الهواتف المحمولة سرطانية أم لا، وحول وجود علاقة بين استخدام الهاتف المحمول وظهور سرطانات في الرأس والعنق بين عينة أفراد من ثلاثة عشرة دولة مشاركة ولمدة تقارب العشر سنوات.
وقد نتج عن الدراسة عدم وجود أي زيادة في مخاطر الإصابة بأورام الرأس والعنق بين المشاركين، لكن كان هناك زيادة في خطر الإصابة بالورم الدبقي عند أقصى حالات التعرّض، مما نتج عنه توصيات بضرورة إجراء دراسات أكثر حول الاستعمال الكثيف للهواتف المحمولة على المدى البعيد، بخاصة مع التغيّر في أنماط الهاتف المحمول ومدّة استخدامه (30 دقيقة مكالمات يومياً) منذ وقت الدراسة وعلاقته بزيادة الإصابة بأورام الدماغ.