أية أثار نفسية واجتماعية للتحرش الجنسي على الأطفال؟

0

تعتبر “البيدوفيليا” من الظواهر التي تستأثر باهتمام الرأي العام المحلي والدولي، نظرا لارتباطها بفئة هشة وحساسة اجتماعيا، وهي فئة الأطفال، بالإضافة إلى آثارها المدمرة على الصعيد النفسي والجسدي والاجتماعي للأطفال الذين يسقطون ضحايا اعتداءات الأشخاص “البيدوفيليين”.

في هذا السياق، أكدت الخبيرة النفسية والتربوية، ربيعة بن بوسلهام، في حوار لها مع موقع صحة24، أن جرح تعرض الطفل للتحرش الجنسي أو الاغتصاب جرح عميق، يستلزم التدخل السريع لمساعدته، مبرزة أن آثارهما تختلف باختلاف الأطفال، وتتّخذ أنواعا ودرجات متفاوتة من حالة إلى أخرى.

وفي ما يلي، نص الحوار:

  • ما الذي نقصده تحديدا بالتحرش الجنسي والاغتصاب؟

عامة يكون التحرش من خلال ممارسات تختلف درجتها وخطورتها، وإن كنت أندد حقيقة بجميع أشكالها، وأدعو إلى تجريمها والمحاسبة عليها، بدءً من اللمس اللطيف المبالغ فيه، أو اللمس العنيف أو التقبيل أو الحضن، ويشمل أيضا الألعاب الجنسية والاتصال الجنسي الذي يتضمن المداعبة ذات الطابع الشهواني، إضافة لجعل الطفل أو القاصر أمام مشاهد إيباحية سواء صور أو فيديوهات أو أفلام أو غير ذلك، أو التقاط صور عارية للأطفال والقاصرين، ويشمل أيضا التحرش الجنسي التواصل بطريقة جنسية أو ذات ايحاءات جنسية، حتى لو كانت عبر مكالمة هاتفية أو عبر الواتساب أو الفايسبوك أو غيرها.
هذا تعريف ما نقصده بالتحرش الجنسي عامة، فإذا كان الاغتصاب واضحا فإن الكثيرين يعانون من خلط وسوء فهم للتحرش الجنسي.

أما الاغتصاب فهو ممارسة جنسية بالاكراه، وفي حالة القاصرين حتى لو كانت بالتراضي فتظل دائما جريمة اغتصاب لأن القاصر لا يملك حرية الاختيار ولا فهم معنى الممارسة الجنسية وبالتالي هو دائما فعل اجرامي ويجب أن يحاسب عليه هذا المغتصب أو هذا المعتدي.

  • ما هي أبرز الآثار النفسية التي تلاحق الطفل بعد تعرضه للتحرش الجنسي أو الاغتصاب؟

تلاحظ على الأطفال الذين تعرضوا للتحرش الجنسي أو الاغتصاب مشاكل سلوكية واجتماعية، مثلا إما الانعزالية المفرطة والخوف والانزواء، أو العكس تماما، نجدهم اندفاعيين أكثر ولديهم ميل للعب العنيف والمشاجرات مع الأقران، كما يصبح سلوكهم متسما بالعناد ومعارضة الأبوين والأساتذة، أي يصبح العناد صفة ملازمة لهؤلاء الأطفال، وبالتدريج، نسجل هذا في الأشهر الأولى الموالية لحالة التحرش، وتستمر مدة من الزمن، وتزداد حدتها بالتدريج، بحيث تتحول إلى مشاكل، حيث يواجهون مشاكل عامة في الانخراط والتفاعل مع وسطهم، ويصبح لديهم استعداد نفسي أكثر للتعاطي والادمان، وأقولها الآن، طالما هناك استعداد، هناك أطفال مع الأسف في سن 11 سنة و13 سنة يتعاطون للتدخين أو لمواد مخدرة على اختلاف مسمياتها. أما من الناحية المرضية، فبعض الأطفال يعانون من نوبات الصرع.
تختلف الآثار النفسية التي تلاحق الطفل بعد التعرض للتحرش والاغتصاب وتختلف من حيث النوع ومن حيث الحدة التي تتجلى من خلالها، إذ ليس شرطا أن تظهر آثار الاغتصاب أو التحرش الجنسي بشكل واضح ومباشر على الأطفال، حيث إن رد الفعل ودرجته وحدته تختلف من طفل إلى آخر؛ لدى البعض نلاحظها بشكل مباشر، في حين أنها تظل خفية لدى البعض الآخر وتتمظهر في سلوكات وممارسات اجتماعية في مرحلة الرشد والنضج كسلوكات لا اجتماعية أو سلوكات شاذة من الناحية الإجتماعبة.

عموما أبرز الآثار المترتبة عن الاغتصاب والتحرش الجنسي بالأطفال والتي تظهر بالتدريج هناك ملاحظة حالات الحزن المستمر التي تصل بالتدريج بالطفل إلى حالة الإكتئاب، هناك أيضا ما نسميه باضطراب القلق العام، هناك اضطرابات وصعوبات في النوم وضعف والغياب التام للثقة بالنفس، فضلا عن الثقة بالآخرين، كما أنهم يعانون من حالة شرود مستمر وفي حالة سهو طوال الوقت، علاوة على نقص في الانتباه، وهذا  الجانب يمكن أن تنتبه له المدرسة أكثر، حيث يظهر أن الطفل تغير سلوكه وآداؤه الدرسي أيضا، إذ يفقد القدرة على التركيز.

هناك حالات يلاحظ عندها التبول اللاإرادي أو سلسل البول، وهناك حالات تعاني من مشاكل في النطق أو الحبسة الكلامية، وكذلك تراجع في الآداء المدرسي أو النفور التام من المدرسة، خاصة للأسف أن بعض حالات التحرش مصدرها أو مكانها هو الفضاء المدرسي.

  • مثلا في واقعة “بيدوفيل الجديدة” كان المتحرش شخصا قريبا من الطفل نظرا لكونه مدربه الرياضي، فمن هم أغلب المرشحين للتحرش بالأطفال أو اغتصابهم؟

تظهر الاحصائيات عبر العالم عامة أن اغتصاب الأطفال والتحرش بهم يتم دائما من المقربين من الأطفال بمعنى أناس من الفضاء العائلي أو أناس مقربين تعرفهم العائلة بطريقة أو بأخرى، أو في الفضاءات المدرسية، ومثال حالة الطفل  الذي تحدثت عنه تعرض للتحرش من قبل مؤطره في جمعية رياضية وإن كانت بصفة غير قانيونية، لكن الأهم هو أن الأسرة تعرف هذا الشخص المعتدي؛ ففي حالات الأطفال سواء حالات الاغتصاب أو التحرش، يكون الجاني بنسبة كبيرة من الأشخاص المقربين من الأسرة أو أحد أفراد الأسرة حتى، أو ينتمي لمؤسسات يلتحق بيها الأطفال سواء مدرسيا أو رياضيا.
إن جرح التعرض للتحرش الجنسي أو الاغتصاب جرح لا يمكن أن يشفى ما لم يتلقى هؤلاء الأطفال المساعدة، جرح يطبع حياتهم ونفسيتهم كوصم وحاجة تستمر معهم بشكل عنيف يتجلى في مجموعة من الطباع والسلوكات، فغالبا ما يلاحظ على هذه الفئة من الأطفال اتجاههم نحو الجنوح، أي أنهم يتجهون للجريمة بشكل من أشكالها سواء كمتعاطين للمواد المخدرة أو السرقة أو الدعارة، وهنا أتكلم عن الإناث والذكور على حد سواء.

هناك مجوعة من مظاهر الجنوح والجريمة تبدأ بالظهور في سلوك الأطفال، وأنوه هنا أنني أتكلم عنهم كضحايا، هذه السلوكات تظهر عليهم ولكن هم ضحية جريمة حولت مسارهم، فيميل بعض الأطفال إلى الجنوح في مراحل مبكرة كنوع من الثأر النفسي أكثر منه عدوانية وانحرافا، خاصة إذا كان المتحرش والمغتصب لم ينل عقابه، حيث يظل الجرح قويا وينحو بالأطفال إلى هذه السلوكات المضادة للمجتمع والتي تدمرهم هم أولا. يتخذ الطفل في هذه الحالة مسارا آخر حيث يكبت كل شيء داخله ويكون معرضا للإضطرابات والعقد النفسية، أهمها الإنزواء والانعزالية التامة ومعاداة المجتمع ولكن بطريقة انسحابية تماما.

إذن كيف يجب على الأسرة التعامل مع الطفل ضحية التحرش أو الاغتصاب؟ وما السبل الممكنة للحد من هذه الآثار؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.