الصحة الانجابية للمغرب على ضوء نتائح إحصاء 2024

0

تُظهر الأرقام الصادرة عن الإحصاء العام للسكان والسكنى بالمغرب لعام 2024 تحولًا ديموغرافيًا عميقًا. فقد كشف الإحصاء عن انخفاض غير مسبوق في معدل الخصوبة الكلي، الذي وصل إلى 1.97 طفل لكل امرأة، ما يمثل انخفاضًا عن إحصاء 2014 ويضعه دون مستوى تعويض الأجيال.

هذا التحول انعكس بوضوح على بنية الهرم السكاني. فبينما تراجعت نسبة الفئة العمرية الشابة (أقل من 15 عامًا)، شهدت الفئة العمرية الأكبر (60 عامًا فما فوق) ارتفاعًا ملحوظًا، وهو ما يعكس تسارعًا في شيخوخة المجتمع.

كما أن بنية الأسر نفسها لم تسلم من التغيير، حيث انخفض متوسط حجم الأسرة، في حين ارتفعت نسبة الأسر المكونة من شخص واحد. ومن أبرز التغييرات أيضًا زيادة نسبة الأسر التي ترأسها نساء، والتي وصلت إلى 19.2%، خصوصًا في المدن.

تشير هذه النتائج إلى تحولات عميقة في الصحة الإنجابية لسكان المغرب، ويمكن قراءتها من عدة زوايا، إيجابية وسلبية:

1. نجاح سياسات تنظيم الأسرة:

  • انخفاض معدل الخصوبة إلى 1.97 طفل لكل امرأة، والذي أصبح أقل من عتبة “تعويض الأجيال”، يعتبر مؤشراً قوياً على نجاح جهود التخطيط الأسري وتوعية المجتمع.
  • هذا الانخفاض لم يحدث فجأة، بل هو استمرار لاتجاه بدأ منذ عقود، ويعكس انتشار الوعي وتوفر وسائل منع الحمل الحديثة في مختلف المناطق، حتى في الوسط القروي.

2. تحسن المؤشرات الصحية للأمهات والأطفال:

  • انخفاض معدلات الخصوبة يرتبط عادة بتحسن صحة الأمهات والأطفال. فكلما قل عدد الولادات لكل امرأة، زادت فرص الحصول على رعاية صحية أفضل أثناء الحمل والولادة، مما يقلل من وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة.
  • هذا ما تؤكده تقارير سابقة، حيث شهد المغرب انخفاضاً ملحوظاً في معدل وفيات الأمهات بفضل التغطية الصحية والولادات تحت إشراف أطقم طبية مؤهلة.

3. تحديات اقتصادية واجتماعية:

  • رغم النجاح في خفض معدلات الخصوبة، إلا أن الأرقام تكشف عن تحديات أخرى. فالانخفاض في الخصوبة ليس دائماً نابعاً من قرار مدروس ومخطط له، بل قد يكون نتيجة لعوامل اقتصادية واجتماعية ضاغطة.
  • يرى بعض الخبراء أن ارتفاع تكاليف المعيشة (السكن، التعليم، الرعاية الصحية) في المدن يدفع الأسر إلى تقليص عدد الأطفال.
  • تأخير سن الزواج، ودخول المرأة إلى سوق العمل، وتزايد نسبة الأسر التي ترأسها نساء، هي عوامل تساهم في هذا التغيير الديموغرافي وتطرح تساؤلات حول مدى حرية الأفراد في تحقيق تطلعاتهم الإنجابية.

4. تحديات جديدة للرعاية الصحية:

  • مع تسارع معدل شيخوخة السكان، سيتغير التركيز في مجال الرعاية الصحية من صحة الأمهات والأطفال إلى صحة كبار السن والأمراض المزمنة.
  • هذا يتطلب إعادة النظر في السياسات الصحية وتوجيه الاستثمارات نحو توفير خدمات صحية مناسبة للفئة العمرية الأكبر، وهو ما يمثل تحدياً جديداً على المدى الطويل.

إن نتائج الإحصاء تُظهر أن المغرب قد قطع شوطاً كبيراً في مجال الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة، لكنها في الوقت نفسه تكشف عن تحديات جديدة تتعلق بضرورة ضمان أن يكون هذا الانخفاض في الخصوبة نتيجة لاختيارات واعية ومستنيرة، وليس فقط استجابة لضغوط اقتصادية واجتماعية، أو حتى دولية، مع الاستعداد الجيد لمواجهة تحديات شيخوخة المجتمع.

ولمواجهة هذه التحديات الجديدة يتطلب الأمر استراتيجية متكاملة، وليس فقط التركيز على زيادة معدل الخصوبة. استراتيجية تبنى على:

  • الاستثمار في الكفاءات: يجب على المغرب أن يستثمر أكثر في تعليم وتأهيل الشباب لتعزيز إنتاجيتهم وقدرتهم على الابتكار، لتعويض النقص المحتمل في أعدادهم.
  • تشجيع الهجرة العائدة: يمكن تشجيع المغتربين المغاربة على العودة والاستفادة من خبراتهم، أو حتى استقطاب الكفاءات من الخارج.
  • تحسين نظام الرعاية الصحية: يجب إعادة توجيه الاستثمارات نحو رعاية كبار السن والأمراض المزمنة، وتطوير برامج صحية وقائية.

باختصار، شيخوخة المجتمع ليست مجرد خيار أو مصير محتوم، بل هي تحدٍ يتطلب تخطيطاً استراتيجياً وحلولاً مبتكرة للتخفيف من آثاره السلبية، ولنا في التجربة الاوربية المثال الجيد ومنه نكتسب الدروس ونستفيد منها.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.