محمد حوجر: التباين الكبير في العرض الصحي أهم المآزق التي تعترض تفعيل “الصحة للجميع”
عدد محمد حوجر باسم الفريق الاشتراكي (المعارضة الاتحادية) ثلاثة مداخل أساسية لربح رهان إصلاح المنظومة الصحية ببلادنا، ويتعلق الأمر بتطوير البنيات التحتية بالقطاع، وتأهيل الموارد البشرية المشتغلة فيه، ثم تحقيق مبدأ العدالة المجالية فيما يخص تقديم الخدمات الصحية.
وأضاف في تعقيب له، الإثنين 27 نونبر 2023 خلال الجلسة العامة للمساءلة الشهرية الموجهة لرئيس الحكومة حول موضوع التوجهات الاستراتيجية للمنظومة الصحية بناء على الإصلاحات، أن هذا الأمر هو ما كان يفرض تقديم معطيات ملموسة حول ما قدمته حكومتكم من مجهود مرتبط بهذه المداخل، كالإعلان عن مؤشر العدالة المجالية في عملية تحسين وتوسيع البنيات التحتية الصحية، وعن المستوى الذي بلغه تعميمها على جميع أقاليم وجهات المغرب، باعتبارها شرطا أساسيا لضمان حق الجميع في الولوج إلى الخدمات الصحية، ولإنجاح ورش تعميم التغطية الصحية الإجبارية، فأهم المآزق التي تعترض المغرب في مسار تفعيله لشعار الصحة للجميع، هو التباين الكبير في العرض الصحي ببلادنا، خاصة بين المجالين الحضري والقروي، ذلك أن المستوصفات المتواجدة بالعالم القروي ما زال جلها في وضعية مزرية.
وفي السياق، شدد المتحدث ذاته أنه كان من اللازم لرئيس الحكومة، أن يطلع النواب البرلمانيين على التدابير التي اتخذتها الحكومة من أجل تأهيل وضعية الموارد البشرية بقطاع الصحة، نظرا لتأثيرها المباشر على مستويات الولوج إلى الحق في الصحة، مشيرا إلى أن الواقع يبين أن هذه الموارد البشرية في قطاع الصحة ما زالت تعاني من تأثير العديد من النقائص التي تعتبر نتيجة طبيعية لغياب سياسة حكومية فعلية موجهة لها، ولمحدودية التدابير، والإجراءات التي اتخذتموها في المجال، وهو ما كان يتطلب أولا التفكير في آلية لمعالجة الخصاص الحاصل على هذا المستوى، من خلال اعتماد مخطط استعجالي يستند إلى توظيف كل الخريجين من الكليات والمعاهد حسب الخصاص من مختلف الأطر التقنية والتدبيرية، وإلى وضع آليات مناسبة للحد من ظاهرة هجرة الأطباء التي أصبحت أكثر حدة في السنوات الأخيرة، ولم لا الاحتفاظ حتى بمناصب المحالين على التقاعد، وبطبيعة الحال مع الحرص على التوزيع الجغرافي العادل لهذه الموارد، وعلى اعتماد حوافز مالية وغير مالية من أجل إعادة انتشار موظفي الصحة في المناطق التي تشكو من ضعف الخدمات، حتى يتم ضمان تغطية كاملة للسكان بالعاملين الصحيين.
وفي هذا السياق، دعا النائب البرلماني الحكومة، إلى دعم المبادرات الرائدة بتوفير كافة الشروط الملائمة لعمل مؤسسة محمد السادس للعلوم، والصحة، وإحداث تمثيليات جهوية لها من أجل تطوير الخدمات الصحية المرتبطة بالعلاجات والتكوين وتطوير البحث العلمي والابتكار، كما أبرز أن تطور نفقات نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، كنتيجة طبيعية لارتفاع عدد المستفيدين، يحمل في طياته تهديدا للتوازنات المالية لصناديق الرعاية الاجتماعية، خاصة في ظل هيمنة النفقات الخاصة بالمؤمنين المصابين بالأمراض المزمنة والمكلفة،الذين يستهلكون نصف نفقات النظام، فيما لا تتجاوز نسبتهم 4,5 % من مجموع مؤمني النظام (حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2020).
هذا، بالإضافة إلى ارتفاع النفقات الخاصة بالأدوية التي وصلت إلى 31,5 % من مجموع نفقات الخدمات في إطار نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض (برسم سنة 2019). وهي المؤشرات التي تستوجب من الحكومة تدخلا عاجلا على مستوى الدعم المالي ومواكبة دقيقة لحكامة ونجاعة أداء مختلف مكونات هذه المنظومة، وخاصة تجويد أداء الوكالة الوطنية للتأمين الصحي بالعمل على إحداث تمثيليات جهوية لتيسير معالجة ملفات المستفيدين انسجاما مع شعار خدمات القرب الذي ترفعه الحكومة.
من جهة أخرى، واعتبارا للارتباط الوثيق بين تعميم الحماية الاجتماعية ومواصلة ورش الإصلاح الشامل للمنظومة الصحية الوطنية، نبه محمد حوجر إلى أن مجهودات الحكومة في الرفع من ميزانية قطاع الصحة ما زالت دون المستوى المطلوب، بالنسبة لحجم نفقات الصحة من الميزانية العامة، والتي تقدرها منظمة الصحة العالمية في 12.%.
وقال في هذا الصدد:” وإذا استحضرنا معطى التحول الذي يعرفه الهرم السكاني لبلادنا، والمتأثر بارتفاع مستويات الشيخوخة، حيث تشير الدراسات إلى أن الفئة العمرية الأكثر من 65 سنة، ستتضاعف ثلاث مرات ما بين 2020 و2060، بكل ما يعنيه هذا المعطى من تحديات غير مسبوقة في مجال الرعاية وتدبير العلاج، بالإضافة إلى معطى حتمي مرتبط بارتفاع نفقات الخدمات الصحية، فإنه كان من الواجب على الحكومة أن تعمل على استحداث موارد مالية متنوعة، ودائمة من أجل تغطية النفقات سواء الحالية أو المستقبلية”.
وأشار إلى أن العديد من التقارير الوطنية تسجل وجود تفاوت حاد في توزيع الموارد البشرية الطبية حيث تتجاوز نسبة تغطية أطباء وزارة الصحة في المجال الحضري نظيرتها بالعالم القروي بثلاث مرات، إذ أن 88,5 % من الأطباء يغطون 63,4 % من السكان بالمجال الحضري، بينما 36,6 % من السكان بالمجال القروي يحظون فقط بتغطية 11,5 % من أطباء الوزارة. وهو ما ينعكس بشكل ملموس على مستوى وجودة الخدمات الصحية.
الأمر الذي يدعو إلى ضرورة تحقيق العدالة المجالية للولوج المتكافئ للخدمات الصحية، بربط إصلاحات قطاع الصحي بالجهود التي تبذلها الدولة في مجال تقليص التفاوتات المجالية، وهو ما يقتضي العمل على معالجة إشكاليات التحديد المجالي للخريطة الصحية ببلادنا، وملاءمتها مع خصوصيات مختلف جهات المملكة.