التبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية.. خمسة أسئلة للبروفيسور جيهان تغزة
حاورتها هناء ضاكة-ومع
الرباط 17 أكتوبر 2022/ومع/ والمغرب يحتفي باليوم العالمي للتبرع وزرع الأعضاء والأنسجة البشرية، تبرز العديد من الأسئلة حول واقع التبرع بالأعضاء بالمملكة، والقانون المنظم لهذه العملية وآفاق تعديله، وكذا أسباب ضعف المبادرة إلى التبرع. في هذا الحوار الذي خصت به وكالة المغرب العربي للأنباء، تجيب البروفيسور جيهان تغزة، الأخصائية في أمراض الدم والسرطان عند الأطفال والمنسق الطبي في زراعة نخاع العظام للأطفال بالمستشفى الجامعي الدولي الشيخ خليفة بالدار البيضاء، عن هذه الأسئلة، وتسلط الضوء على أهمية التحسيس بأهمية التبرع بالأعضاء والأنسجة لإنقاذ المزيد من الأرواح.
1- على غرار باقي بلدان العالم، يخلد المغرب في 17 أكتوبر من كل سنة، اليوم العالمي للتبرع وزرع الأعضاء والأنسجة البشرية، كيف يمكن تحسيس الرأي العام بأهمية هذا الفعل التضامني؟
منذ سنة 2005، أعلنت منظمة الصحة العالمية يوم 17 أكتوبر يوما عالميا للتبرع بالأعضاء وزرعها. وتكمن أهمية هذا الحدث، أولا في الإشادة بالأشخاص الذين أبدوا رغبتهم في التبرع بأعضائهم بعد الوفاة، وأيضا في الدعوة إلى التفكير بجدية بشأن أهمية التبرع بالأعضاء والحرص على جعله موضوع نقاش مجتمعي .
وبالفعل، يظل زرع الأعضاء أفضل بديل للعلاج في حالة قصور عضو من الأعضاء في جسم الإنسان، سواء من حيث متوسط عيش المرضى أو ما يتعلق بالإنفاق على الصحة العامة، فعدد الأشخاص المرشحين لزراعة الأعضاء في ارتفاع دائم، وهذا مرتبط، بالأساس، بشيخوخة الساكنة ، وارتفاع حالات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والقصور الكلي للأعضاء.
إن فكرة تخصيص يوم عالمي للتبرع بالأعضاء انبثقت من وضع مثير للقلق، بحيث لوحظ أن هناك نقصا في الأعضاء يتم استشعاره أكثر فأكثر، وأن عددا من المرضى الذين يحتاجون لزراعة عضو من الأعضاء يتواجدون في المراحل الأخيرة من المرض ويبقى أملهم الوحيد للبقاء على قيد الحياة هو إيجاد متبرع.
كما أن الآلاف من المرضى يشعرون دائما بقلق شديد بسبب طول مدة الانتظار، وهم يعلمون أن كل يوم يمر عليهم في لائحة التبرع يزيد من تضاؤل الأمل في إيجاد متبرع، فكل يوم يموت رجال ونساء وأطفال لأنهم لا يجدون من يتبرع لهم بعضو من الأعضاء وعدم إجراء العملية في الوقت المناسب، والحال أن الطب بإمكانه إنقاذ حياتهم.
2- كيف تفسرون أن المغرب يحقق في الوقت الحاضر نتائج “متواضعة” في مجال زراعة الأعضاء البشرية والأنسجة ؟
في ما يتعلق بالتبرع بالأعضاء أو الأنسجة، هناك نوعان، حيث يمكن أن يكون من شخص حي لآخر وهو لايزال على قيد الحياة، أو التبرع بالأعضاء بعد الوفاة. وفي هذه الحالة، فإن السماح باستئصال الأعضاء أو الأنسجة بعد الوفاة يعتبر نوعا من السخاء والتضامن، لكونه يساهم في إنقاذ الأرواح.
ويلاحظ أن التبرع بالأنسجة غير معروف مقارنة مع التبرع بالأعضاء، على الرغم من أهميته الحيوية ، فالتبرع بالأنسجة في غالب الأحيان يمارس بشكل كبير وأكثر مما يتصور. فهناك على سبيل المثال، تركيب صمامات القلب أو الأوعية الدموية، وزرع القرنية التي تساعد على استعادة البصر، والأوتار بعد حادث سقوط خطير، والعظام بعد الخضوع لعملية جراحية، والجلد للسماح للحروق الشديدة بالالتئام. فحجم الوضعيات التي قد تتحسن عبر زراعة الأنسجة واسعة ، وتزداد مع التطور التقني، وبالتالي فإن الطلب على هذا النوع من الزراعة يرتفع يوما بعد يوم.
المعطى الآخر قد يكون ماديا، فالمصالح التي تتم فيها عملية زرع الأعضاء تعاني من نقص مرتبط بالشق التقني والموارد البشرية، المفارقة الأخرى هي أن عملية زرع عضو قد لا تتطلب إمكانيات مادية إضافية. وعلى سبيل المثال ، فكل عملية زرع كلية يتم إجراؤها توفر إمكانيات مادية مهمة لأن عملية غسل الكلى تتطلب إمكانيات مادية كبيرة لا تتطلبها عملية الزرع . 3- وضع المشرع المغربي نصوصا قانونية محددة بشأن التبرع بالأعضاء البشرية في عام 1998 ، بموجب القانون رقم 16/98 ؛ في نظركم ألم يحن الوقت بعد لتعديل جديد يأخذ في الاعتبار التطورات العلمية والاجتماعية المتعلقة بهذا الموضوع؟
لا يوجد عدد كاف من الراغبين في التبرع بالأعضاء مقارنة بتزايد الحالات المرضية التي تنتظر متبرعا ينقذ حياتها، وهو ما يؤدي إلى نتائج مزدوجة، من جهة ارتفاع عدد المرضى الذين ينتظرون متبرعا لزرع أحد الأعضاء، ومن جهة أخرى، العدد القليل من الأشخاص المسجلين في سجل المتبرعين بالأعضاء.
فهؤلاء المرضى بالطبع يعانون من الهشاشة ويمكن أن يكون وقت الانتظار قاتلا بالنسبة لهم، فكل يوم يمر عليهم في قائمة الانتظار يزيد من تضاؤل فسحة الأمل .
وقد وضع المشرع المغربي نصوصا قانونية محددة بشأن شروط التبرع بالأعضاء البشرية عام 1998 بموجب القانون رقم 16.98 الذي يؤطر بشكل واضح عملية التبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية واستئصالها وزرعها، وهو ما يعزز الحماية القانونية للمتبرع من مخاطر الاحتيال والاتجار بالأعضاء والأنسجة البشرية. ولكن، ومع ذلك، يجب تجويد قانون التبرع لبلورة مقترحات تشريعية وإدخال تعديلات جديدة لمواجهة المشاكل المطروحة بما يخدم صحة المواطن ويحقق تقدما في هذا المجال. فالعولمة والهجرة ونزوح الأشخاص أدت إلى تنقل الشعوب بخصائصهم الجينية. فعلى سبيل المثال، بالنسبة لبعض المرضى من أصول إفريقية ، الذين يعيشون في أوروبا، فمن الصعب في البعض الأحيان إيجاد متبرعين متوافقين جينيا. وبالمقابل، إذا سمح المشرع بإنشاء بنوك للأعضاء والأنسجة لمتبرعين متطوعين، فإن الأطباء المختصين سيتمكنون من زراعة الأعضاء لعدد أكبر من المرضى من المواطنين وكذلك من الأجانب، حين تتوفر نفس الخصائص الوراثية للذين لا يستطيعون العثور على متبرعين لهم خصائص متوافقة.
وفي ما يتعلق بالتبرع من شخص متوفى، فيشترط القانون ثلاثة مبادئ رئيسية هي التبرع المجاني، وعدم الكشف عن أي معلومات من المحتمل أن تسمح بتحديد هوية المتبرع أو المستفيد ، والموافقة، أي أن المتبرع المتوفى يجب أن يكون قد أبدى قيد حياته رغبته في التبرع، بالتسجيل في سجل المتبرعين.
وفي هذا الإطار، يتعين على المشرع اعتبار كل شخص موافقا على التبرع بالأعضاء والأنسجة بعد وفاته ما لم يعلن، قيد حياته، عن رفضه لذلك، وأنه يجب إبلاغ الأسرة بدل استشارتها، خاصة وأن أفراد الأسرة لا يكونون دائما على علم بجميع ما قد يبديه المتوفي من رغبات. وهو ما سيمكن من جمع المزيد من الأعضاء وإنقاذ العديد من الأرواح.
4- المغرب لا تعوزه المهارات والتكنولوجيا العالية ولكن عدد المتبرعين لا يزال “متواضعا جدا”. كيف يمكن إذن تلبية الاحتياجات؟
عدد الأعضاء المعدة للتبرع لا يزال غير كاف لتلبية الطلب المتزايد . يلزم في البداية ، تنظيم حملات للتوعية بأهمية التبرع، من خلال إشراك مختلف الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، وفي المجالات الدينية والإعلامية والمناهج التربوية، وكذلك تشجيع التبرع من الأشخاص الأحياء وفي حالة الموت الدماغي من خلال تطوير عملية زراعة الأعضاء.
5- ما هي أحدث الأرقام المتوفرة لديكم بخصوص عمليات زرع الأعضاء التي أجريت على مستوى المستشفيات المغربية؟ لا تزال زراعة الأعضاء والأنسجة البشرية قليلة جدا في المغرب ، حيث بلغ عدد المتبرعين المحتملين المسجلين في سجلات التبرع حوالي ألف و200 متبرع فقط، منهم أزيد من 700 مسجل في مدينة الدار البيضاء. وهو رقم بعيد كل البعد عن تلبية الاحتياجات المتزايدة، ولا يعكس المستوى الطبي للمغرب ولا سخاء المغاربة.