الدكتور حسام سالمي: الدواء الجنيس قد يكون خطيرا على المريض

0

بداية كطبيب عام، ومشتغل سابق بقطاع الصناعة الصيدلانية الوطنية، ما رأيك في الجدل المثار بشأن تعديل المادة 29 من القانون 17.04 ؟

إن السجال الذي اندلع منذ أيام بين الأطباء والصيادلة بعد وضع الفريق الإستقلالي للوحدة والتعادلية لمقترح تعديل المادة 29 من القانون 17.04 بمثابة مدونة الأدوية والصيدلة، وإحالته على لجنة القطاعات الاجتماعية بتاريخ 22ماي 2020، هو سجال غير جديد.
فمنذ أزيد من عشر سنوات، تندلع، بين الفينة والأخرى، شرارة نفس النقاش الذي يقدم فيه كل طرف تصوره للأمور ويحاول الجميع دحض تبريرات الطرف الآخر لإقناع الرأي العام بسداد وجهة نظره دون أن تتمتع بعض الجهات بفضيلة الاستماع للرأي الآخر، وهو الشيء الذي في نظري المتواضع أخّر الوصول لتوافق يكون الهدف الأسمى فيه هو النهوض بصحة المواطنين وتسهيل ولوجهم للمنظومة الصحية برمتها والدواء كجزء منها.
كطبيب معايش لدقائق الأمور بالقطاع الصحي برمته، وكمشتغل سابق بقطاع الصناعة الصيدلانية الوطنية لمدة تناهز العشر سنوات، لا يمكنني تجاهل الصعوبات التي يعيشها منذ مدة غير هينة الزملاء الصيادلة في تدبيرهم اليومي لصيدلياتهم، وكذا التعسرات المادية الكبيرة التي دفعت العديد منهم للإغلاق النهائي، وهو الأمر الذي لا أتمناه شخصيا لأي زميل صيدلي، لكن ما يجب التسطير عليه الآن ونحن في عز أزمة الكورونا التي بينت عن هشاشة فظيعة في المنظومة الصحية بأكملها، هو أن محاولة تصوير السماح للصيادلة باستبدال الدواء، كالحل السحري لمعضلة صعوبة الولوج للعلاج، لا تعدو كونها تمويها لصرف الإنتباه عن المشاكل الحقيقية التي يعيشها القطاع الصحي الوطني والتي يعرفها المواطنون المغاربة شديد المعرفة.

منطوق المقترح يسمح باستبدال الدواء الموصوف في حالات محددة ويحصرها في انعدامه لدى الصيدليات ولدى الموزعين، ألا ترى أن ذلك منطقي وفي صالح المرضى؟

إن منطوق المقترح الذي تقدم به الفريق الإستقلالي للوحدة والتعادلية يحدد الحالات التي قد يتم فيها السماح باستبدال الدواء الموصوف ويحصرها في انعدامه لدى الصيدليات ولدى الموزعين، وقد يبدو هذا أمرا منطقيا لدى البعض، ولو أن مفهوم انقطاع الدواء لدى الموزع أمر فيه كثير الكلام، إلا أنه وللأسف الشديد، وهنا هو صلب الموضوع، فإن الواقع يقول أن بعض ممثلي الزملاء الصيادلة وهم في دفاعهم عن ما يعتقدونه حقا لهم، يُضمرون أكثر مما يعلنون.
بتاريخ 18 ماي 2020 قام رئيس نقابة صيادلة المغرب بمراسلة رئيس الفريق البرلماني صاحب مقترح مشروع التعديل، لمطالبته بحذف شرط عدم توفر الدواء لدى شركات توزيع الأدوية من مسودة مشروع القانون، وهو الأمر الذي ينسف من الأساس سبب نزول مشروع القانون، في الشكل المُتضَمَّن بالمذكرة التقديمية التي أتى بها الفريق البرلماني لحزب الإستقلال.
إن الفريق البرلماني للوحدة والتعادلية وهو يقدم مشروع التعديل المذكور، كان يهدف للحد من الإنقطاعات التي سُجلت مؤخرا في بعض الأدوية والتي خلقت مشاكل كبيرة للمواطن المغربي، لهذا وبالنظر لمراسلة رئيس نقابة صيادلة المغرب يتبين جليا أن طموح بعض الزملاء الصيادلة لكسب صلاحية استبدال الدواء الموصوف رغم عدم انقطاعه من رفوف شركات التوزيع، يهدف لأمر مغاير تماما لما تم الإفصاح عنه.
وبالعودة لموضوع اختفاء بعض الأدوية من السوق المغربية، يجب التذكير بالخرجة الصحافية التي قام بها رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة بتاريخ 7ماي 2020، أي أياما قليلة قبل وضع مقترح التعديل، حين صرح لإحدى الجرائد الوطنية بأن “المغرب يتوفر على ترسانة قانونية صارمة تهم مجال الأدوية وتأمين مخزونها لتلبية الاحتياجات الداخلية من العلاجات، بمستوى لا يقل عن 3 أشهر، وهو ما ساعد على توفر أعداد كافية من الأدوية الأساسية والحيوية التي يطلبها المواطنون”، كما ألح على أن “تزويد الصيدليات بالأدوية يسير بشكل عادي ويغطي طلبات المواطنين من الأدوية التي يطلبونها” قبل أن يضيف أن وجود نقص مسجل في بعض الأدوية والمكملات الغذائية “راجع بالأساس إلى الضغط الممارس على المادة الأولية التي يجري استيرادها من دول آسيا، سيما في هذه الفترة من انتشار جائحة كورونا”.
من هنا يتبين أن رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة يعترف ضمنيا بأن السماح للزملاء الصيادلة باستبدال الدواء الموصوف من طرف الطبيب المعالج، هو طموح لا علاقة له بتفادي اختفاء بعض الأدوية من السوق لأن هاته الانقاطاعات، هي انقطاعات مركزية لها علاقة مباشرة باختفاء المواد الأولية من السوق العالمية، لهذا فإن ضمان استمرارية تزويد السوق المغربية بالأدوية لن يتأتى إطلاقا بتبني مثل هاته المقترحات بل بتغيير عميق للترسانة القانونية بشكل يسمح للدولة باستباق هاته الإنقطاعات وذلك يمر وجوبا عبر ضبط لوائح وطنية للأدوية الأساسية والحيوية قصد خلق مخزون استراتيجي يكفي المواطنين في حالة الانقطاع غير النهائي مع إجبار المُصنعين على الإعلان المبكر عن نية وقف تصنيع أو تسويق بعض الأدوية بغية اقتناء مخزون كافي أو تجهيز موقع صناعي ثانوي كفيل بتجنيب المواطنين الأثار الجانية لنفاذ المخزون.
إن مؤتمر ”A3P” ( جمعية المنتجات النظيفة والمحقونة) والذي يُعتبر شريكا أساسيا لجميع الفاعلين بالصناعة الدوائية والبيوتيكنولوجية بدول عديدة يستدل بتجاربها الزملاء الصيادلة كالجزائر وتونس وفرنسا، إن هذا المؤتمر وهو يناقش بمراكش أيام 12 و 13 أبريل 2018، موضوع نفاذ مخزون بعض الأدوية بالمغرب، لم يقدم أبدا في توصياته اقتراحات تصب فيما ذهب إليه الفريق النيابي لحزب الاستقلال، بل على العكس من ذلك ألزم السلطات والموزعين وكذا الصيادلة أنفسهم باتخاذ بعض الاجراءات العملية التي لا تحتاج لكل هذا النقاش، بغية تفادي تأثر صحة المواطنين بنقاذ مخزون بعض الأدوية.
أما بخصوص الأدوية الجنيسة التي يختبئ خلف دعم استعمالها بعض ممثلي الزملاء الصيادلة لتبرير دفاعهم المستميت عن ما يظنونه حقا لا محيد عنه، فرغم جميع جهود الدولة لتشجيع استعماله إلا أنه لم يجد بعد المكانة التي يستحق في السوق الدوائية نتيجة مسببات عديدة ليس منها بكل تأكيد عدم وصفه من طرف الأطباء، علما أن الدراسات الوطنية التي قام بها الصيادلة أنفسهم، بينت بأن نسبة الدواء الجنيس الموصوف من طرف الطبيب المغربي، أعلى من نسبته في الأدوية التي تباع من طرف الصيادلة بدون توفر المريض على وصفة طبية، وهذا نقاش آخر أتمنى العودة إليه في قادم الأيام، لما لهاته الممارسة الممنوعة قانونا والمتفشية في واقعنا الصحي، من مخاطر محدقة بالمريض المغربي.

الدواء الجنيس مماثل للدواء الأصلي، فأين يكمن المشكل في استبدال أحدهما بالآخر من طرف الصيدلي ؟

إذا كان الدواء الجنيس مماثلا للدواء الأصلي كما وكيفا من ناحية المادة الفعالة، فإن الإطار القانوني الوطني والدولي يسمح لمصنعي الدواء بتغيير السواغ المتضمن بالدواء الجنيس بغرض تحسين استقرار الدواء وتغيير الطعم أو اللون أو أمد الإستعمال، ومن هذا المنطلق فإن الطبيب وقبل أن يصف الدواء سواء جنيسا كان أو أصليا، فإنه يأخذ بعين الاعتبار التاريخ المرضي للمريض وكذا إمكانية معاناته من بعض الحساسيات قبل وصف الدواء، لهذا فمن سيتحمل المسؤولية المدنية والجنائية للأعراض التي قد تظهر لا قدر الله على المريض ضحية استبدال الدواء، نتيجة تواجد سواغ ضار في الدواء المستبدل ؟
إن التعريف العلمي للدواء الجنيس وكذا التجارب الميدانية أبانت على أن رفض الأطباء لاستبدال الدواء راجع إلى انعدام لائحة وطنية رسمية للسواغ ذو التأثير المعروف EXCIPIENT A EFFET NOTOIRE، هاته اللائحة ستكون كفيلة بإثارة انتباه الزملاء الصيادلة لتفادي صرف دواء قد يكون في سواغه تهديد لصحة المواطن ضحية استبدال الدواء، حيث لا زال مهنيو الصحة المغاربة يعتمدون لائحة فرنسية غير محينة منذ سنة 2009.
إذا كان المريض يعاني من “حساسية اللاكتوز” وتم تغيير الدواء الموصوف الذي لا يحتوي سواغه على هاته المادة بآخر جنيس يحتوي سواغه عليها، فعلى من ستسقط مسؤولية الأعراض الجانبية الناتجة عن الاستبدال، وإذا تعرض مريض يعاني من مرض “السيلياك” لاستبدال دواء بآخر يحتوي سواغه على مادة “أميدون القمح” مع ما يعنيه ذلك من خطر ظهور مضاعفات على المدى المتوسط والبعيد، فمن سيتحمل مسؤولية هاته المضاعفات ؟؟!
كلنا يتذكر معضلة الليفوتيروكس التي اندلعت بفرنسا، والتي أدت بشكل أو بآخر إلى اختفاء هذا الدواء بالمغرب، هل تنبه الجميع إلى أن الأعراض الجانبية التي أدت لوقفات احتجاجية للمرضى بفرنسا، كانت ناتجة عن تغيير في السواغ فقط رغم الاحتفاظ بنفس كمية وجودة المادة الفعالة ؟!

هل ترفض المقترح بشكل كلي، أم أنك تدعو إلى مناقشته ووضع ضوابط أخرى في هذا الشأن ؟

في ظل ما أشرت إليه سالفا، وكطبيب مُطلع على واقع الميدان، لا يمكنني الآن القبول بتمرير مثل هاته القوانين لأن الشعارات شيء والحقائق أمر آخر.
واقع الأمور يقول أن المنظومة الصحية برمتها تحتاج الى وقفة تأمل قصد تغيير ما يجب تغييره، والإصرار الآن على الاكتفاء بنقاش السماح للصيادلة باستبدال الدواء الموصوف، هو في رأيي الشخصي المتواضع، تحويرٌ للحوار وتجاهلٌ للنقاش الحقيقي، وكان حريا بالفريق البرلماني للوحدة والتعادلية الأخذ بعين الإعتبار جميع النقائص القانونية التي تعاني منها المنظومة الصحية الوطنية بدل حصرها في نقطة فريدة لن تزيد الطين إلا بلّةً في حالة تبنيها.
متفقا تمام الاتفاق مع مضامين بيان التنسيقية النقابية للأطباء العامين بالقطاع الخاص، لا أفهم صراحة كيف يريد البعض إقناعنا بأن هذا المقترح يهدف لضمان صحة المواطنين، رغم أن غياب عديد الصيادلة عن صيدلياتهم وتركهم زمام الأمور في أيدي مستخدميهم، أضحى أمرا واقعا يخلق ضجة وصل صداها لقبة البرلمان وكانت موضوع سؤال كتابي وضعه نائب برلماني بتاريخ 16 أبريل 2018، وكيف لا نتجند كأطباء لحماية صحة المواطنين، ونحن نرى رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة شخصيا يراسل وزير الداخلية بتاريخ 20 مارس 2018 ليطلب منه التصدي لظاهرة الصيادلة الأشباح كما وصفتها الصحافة الوطنية.
كيف لنا أن نترك المستقبل الصحي للمواطنين المغاربة رهينا بمقترحٍ لا يناقش اللُب، ونحن نعلم أنه ومنذ سنة 2010، 33% من الزملاء الصيادلة على الأقل غائبون عن صيدلياتهم طبقا لاحصائيات الزميل الصيدلي الدكتور يونس الطالب كما جائت في أطروحته لنيل شهادة الدكتوراة في الصيدلة من جامعة الرباط تحت عدد 36/2010.
موضوع منح صلاحية استبدال الأدوية للزملاء الصيادلة لا يجب، في نظري المتواضع، عزله عن موضوع الإصلاحات المصيرية التي تنتظرنا للنهوض بالمنظومة الصحية المغربية برمتها، ورفض الأطباء لمقترح التعديل الذي تقدم به الفريق الإستقلالي للوحدة والتعادلية نابع أساسا من رفضهم للحلول الترقيعية التي سرعان ما تتبين محدوديتها .
صحيح أن الزملاء الصيادلة يعانون الأمرّين خاصة منذ تنزيل قانون تخفيض ثمن الأدوية من طرف وزير الصحة السابق الوردي الذي لم يرافق ذلك بإجرائات مواكِبة تُخفف أزمة إخواننا الصيادلة، لكن اختصار المعضلة العميقة التي تعيشها المنظومة الصحية في موضوع استبدال الدواء الموصوف، وكذا محاولة إقناع المواطنين المغاربة بأن النهوض بصحتهم وتسهيل ولوجهم للعلاج، رهين بتعديل المادة 29 من القانون 17.04 هو أمر نرفضه تماما، لأن جميع الدفوعات التي أتت بالمذكرة التقديمية لمشروع القانون، سبق وأن تم تكذيبها على لسان ممثلي الزملاء الصيادلة أنفسهم.

*طبيب عام بالقطاع الخاص بوجدة، مشتغل سابق بقطاع الصناعة الصيدلانية الوطنية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.