ما هي الركائز والاختلالات التي رافقت تنزيل ورش تعميم التغطية الصحية بالمغرب؟
يأخذ ورش تعميم التغطية الصحية بالمغرب على عاتقه مسؤولية النهوض بالمنظومة الصحية وتحقيق العدالة الاجتماعية من حيث ولوج المغاربة بمختلف فئاتهم الاجتماعية للحق في التطبيب.
فمتى بدأت بوادر هذا الورش؟ وما هي الركائز الأساسية التي يقوم عليها؟ وما التحديات التي تعترض تفعيله بنجاعة على أرض الواقع؟
ارتباطا بالأسئلة أعلاه، أكد البروفيسور جعفر هيكل، أخصائي في الأوبئة والأمراض المعدية والصحة العامة، أن ورش تعميم التغطية الصحية يهدف إلى تمكين أغلبية المغاربة من الولوج للخدمات الصحية سواء كانت عمومية او خاصة، قد بدأ منذ مدة طويلة، وتحديدا منذ خطاب جلالة الملك بمناسبة عيد العرش سنة 2018، حيث طالب جلالته من الحكومة القيام بمراجعة شاملة للنظام الصحي.
وأبرز البروفيسور، في حوار مع موقع صحة 24، أن هذا الورش يأتي بناء على تقييم نتائج نظام “رميد”، حيث كان من الضروري تقديم نظام صحي منصف وذو ولوجية أكثر، بجودة علاج أكبر، بحيث يخفف العبء على الدولة وخاصة على المواطنين الذين يدفعون ثمن التعثر الثقيل في تكاليف الرعاية الصحية.
وأشار البروفيسور إلى أن تنزيل هذا الورش على أرض الواقع انطلق منذ سنة 2018 عبر خطوات متتالية، آخرها كان سنة 2022، من خلال استفادة الحاملين لبطاقة راميد من نظام التغيطية “أمو”، ويقدر عددد المستفيدين إلى حدود يناير 2023 ب 22 مليون مواطن إضافي.
تأتي الاستفادة من التغطية الإجبارية عن المرض بفضل ترسانة قانونية، على رأسها القانون 4.06.22 بالاضافة إلى القانون 07، 08، 09، 010، و11، والذين مكنوا من إعادة صياغة النظام الصحي من خلال أربعة أبعاد أساسية، وفق ذات المتحدث.
وتتمثل هذه الأبعاد الأربعة في: بعد الحكامة الصحية عبر إنشاء هيئة عليا للصحة ووكالة للأدوية والمنتجات الصحية ووكالة للدم ومشتقاته، أما البعد الثاني فيرتبط برفع مستوى البنى التحتية، من حيث الموارد المادية والمعدات ولكن أيضًا من حيث الموارد البشرية وما إلى ذلك.
ويتعلق البعد الثالث بتنمية الموارد البشرية، لا سيما من خلال صياغة قانون الوظيفة العمومية الصحية، بهدف تحفيز الرأسمال البشري في القطاع العام، والحد من النقص الحالي في الموارد البشرية، وإصلاح التكوين، في حين ينبني البعد الرابع، على تفكيك نظام المعلومات الخاص بالصحة، لأنه غير مكتمل ولا يعني إلا القطاع العام، حيث يجب ربطه بالقطاع الخاص لأجل تقديم المعلومات الصحية اللازمة التي تمكن من اتخاد قرارات استراتيجية والتخطيط، وبالتالي إمكانية تقديم ملف طبي مشترك للمريض.
بالمقابل، أشار البروفيسور هيكل إلى أنه لا تزال هناك “قضيتان كبيرتان” تعرقلان هذا الورش، أما الأولى فهي تحدي تنفيذ النصوص القانونية وخاصة المراسيم التنفيذية على أرض الواقع، فيما يتمثل التحدي الثاني والرئيسي في ضمان وسائل تحقيق أهداف الورش، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحكامة والرقمنة، مضيفا “عندما يتعلق الأمر بالموارد البشرية وتأهيل البنية التحتية، فالرغبة موجودة، والأهداف محددة، لكن طريقة تحقيقها لا تزال رهانا كبيرا رغم أنه تم إلى حدود اللحظة ضخ عدة مليارات لأجل إنجاح هذا الورش”.
وتطرق البروفيسور، خلال حواره إلى ضرورة خلق توازن بين القطاع العام والقطاع الخاص في المجال الصحي، مشددا على أن الهيمنة حاليا هي لصالح القطاع الخاص الذي من المفترض أن يؤدي دورا تكميليا لا دورا أساسيا، ما يجعل الخدمات الصحية تسير بسرعتين منفصلتين.
في ذات السياق، أبرزت الدكتورة عائشة وداع، طبيبة أمراض النساء والتوليد، أن للأطباء دور محوري في تنزيل تعميم التغطية، وهو ما يستدعي الالتفات إليهم، بدل “الحملة المسعورة التي يشنونها على القطاع الخاص، ليس فقط من طرف الدولة وإنما أيضا من قبل أطباء القطاع العمومي”.
وعرجت المتحدثة، في تصريحها لموقع صحة 24 على بعض الاختلالات التي يشهدها تنزيل هذا الورش، من قبيل سرعة تحضير الترسانة القانونية، بحيث لم يتم إعداد الحيثيات اللازمة لها.
وتطرقت الدكتورة إلى المشاكل التي نتجت عن الانتقال من نظام “راميد” إلى نظام “أمو”، كاشفة أن استفادة حاملي بطاقة راميد كان مجانيا في الأشهر الأولى، ليتوقف بعد ذلك بسبب أن بعض المستفيدين يعملون في القطاع غير المهيكل ومطالبون بذلك بأداء مساهمة قدرها 100 درهم شهريا.
وأشارت الطبيبة إلى أنه جرى توقيف استفادة هذه الفئة دون اخبارهم، وأصبحوا مطالبين بأداء مبالغ مالية مهمة متراكمة منذ بدأ استفادتهم من نظام “أمو”.
وتضيف الدكنورة عائشة: “يأتي إليك المريض وهو يحمل كلا من بطاقة راميد وبطاقة أمو، فنقوم بتقديم ملفه ليستفيد من التغطية، وننتظر الإجابة دون جدوى، ولا يمكننا السماح للمريض بالمغادرة دون دفع الفاتورة، وكانت هناك العديد من الحالات التي لم نتلقى مقابلا عن علاجها بسبب هذا الأمر، لأن المرضى لن يستفيدوا من التغطية مجددا إلا بعد دفع ما هو عالق في ذمتهم”.
وشددت الدكتورة على أن هذه الوثيرة سلبية للغاية، حيث فتحت باب الأمل لفئة كبيرة من المغاربة للاستفادة من التغطية، إلى أن اصطدموا بالواقع، “استفادوا في الستة أشهر الأولى ثم توقفت الاستفادة وعليهم أن يدفعوا الآن مقابل تلك الفترة التي استفادوا فيها”.