النساء في قطاع الصحة.. حضور وازن رغم الإكراهات العديدة التي تحد من فعاليته

0

كريمة حاجي-ومع

تبذل الطبيبات والممرضات والقابلات وغيرهن الكثير من العاملات في قطاع الصحة جهودا كبيرة في سبيل تقديم خدمة صحية ذات جودة، وتساهمن بتفان، كل واحدة من موقعها، في النهوض بالمنظومة الصحية الوطنية.

ويعد عمل المرأة بقطاع الصحة خيارا مهنيا ليس بالهين، بالنظر لما يفرضه الاشتغال في هذا الميدان الحيوي من تحديات وإكراهات تتعلق، بالأساس، بصعوبة التوفيق بين الحياة الأسرية والمهنية، وطبيعة العمل التي تتطلب التواجد بالمؤسسات الصحية على مدار الساعة، وظروف الاشتغال غير الملائمة في بعض الأحيان، بل وحتى خطر التعرض للعنف. فهذه العوامل وغيرها ما تزال تحد من فعالية مساهمة مهنيات الصحة بشكل يتلاءم مع حضورهن القوي على المستوى العددي.

وفي هذا الصدد، يؤكد الطبيب والباحث في السياسات والنظم الصحية، الطيب حمضي، أنه بلغة الأرقام، يعتبر حضور المرأة في قطاع الصحة بالمغرب وازنا، حيث أن ” 3 من كل 5 أطباء هن نساء. وبالنسبة للأطر التمريضية وغيرهم من تقنيي الصحة، فإن النساء تشغلن نسبة الثلثين”، مبرزا أن هذه الهيمنة النسائية على مستوى الأطباء والأطر التمريضية تزداد سنة بعد أخرى.

وسجل حمضي، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذا الحضور الوازن عدديا لا يوازيه للأسف حضور على مستوى الهيئات التمثيلية، مشيرا إلى أنه “على سبيل المثال، نجد أن حضور النساء ضمن أعضاء الهيئة الوطنية للأطباء يمثل الثلث، وهذه النسبة تحققت فقط لأن القانون المنظم للهيئة يفرضه، أما قبله فقد كانت تمثيلية الطبيبات بالهيئة ضعيفة جدا”.

وأكد أن هذا المثال يعكس في المجمل إشكالية ضعف تمثيلية النساء في مراكز القرار على الرغم من حضورهن القوي في قطاع الصحة.

وعلى الصعيد العالمي، أوضح الخبير أن حضور المرأة في قطاع الصحة هو حضور قوي عالميا، على اعتبار أن 70 في المائة من المهنيين الصحيين في العالم هم نساء، لكنهن يشغلن 25 في المائة فقط من مناصب المسؤولية، مشيرا إلى أن “هذا الأمر يعني أن النساء تقدمن الخدمات الصحية، والرجال يتولون القيادة ووضع المخططات”. وحتى على مستوى الأجور، يضيف الخبير، فإن النساء يتقاضين أجورا تقل بنحو 24 في المائة عن الرجال. وبخصوص القيمة المضافة التي يحققها حضور المرأة بقوة في المنظومة الصحية، أكد الخبير أن الأنظمة والسياسات الصحية ككل لا يمكن أن تكون ناجحة وناجعة إلا إذا كانت تعرف مساهمة جميع المتدخلين من النساء والرجال، مشددا على أنه “لأجل ذلك، من الضروري إشراك مهنيات قطاع الصحة في التخطيط والقيادة والتنزيل، خاصة وأنهن يشكلن ثلاثة أخماس الأطباء وثلثي هيئة التمريض”.

وأبرز أن هذا المعطى “يزداد أهمية إذا علمنا أنه بالنظر للثقافة السائدة داخل المجتمع المغربي، فإن النساء، سواء كن مهنيات في قطاع الصحة أم لا، هن اللواتي يتولى مسؤولية الرعاية الصحية داخل الأسرة، وذلك بسبع مرات أكثر من الرجل (علما بأن المعدل العالمي هو 3 أضعاف)”، مشددا على أن هذا الدور بالغ الأهمية للمرأة، يفرض ضرورة تواجد النساء بقوة داخل المنظومة الصحية لتحقيق التواصل السلس مع الساكنة. وأعرب حمضي عن أسفه لأن هذا الحضور الوازن عدديا يصطدم بمجموعة من الإكراهات التي تحد من فعالية مساهمة المرأة العاملة في قطاع الصحة، مسجلا أن أهم هذه الإكراهات “هو مسألة تمث ل المرأة كمرأة، وليست كطبيبة أو ممرضة أو مهنية صحية بشكل عام، وهي ثقافة من الواجب تغييرها”. وأشار إلى أنه “من بين الإكراهات، أيضا، هناك الرقابة الذاتية التي تمارسها المرأة على نفسها، والتي لا تمكنها من التحرر بشكل كامل في نطاق عملها، إلى جانب القيود التي تفرضها عليها الحياة الأسرية بسبب عدم تقاسم الأشغال في البيت بشكل عادل. فكما سبق وأشرت إليه، فالمرأة داخل الأسرة المغربية تهتم بشؤون صحة أسرتها سبع مرات أكثر من الرجل”.

وسجل أنه يندرج في إطار الإكراهات أيضا، عدم وصول مهنيات الصحة لمناصب المسؤولية بشكل يتناسب مع حجم حضورهن القوي داخل القطاع، فضلا عن غياب الاعتراف بعمل المرأة داخل المجتمع المغربي. وأمام هذا الواقع، ومن أجل الارتقاء بحضور المرأة كما ونوعا في قطاع الصحة، دعا الطيب حمضي أولا إلى فتح باب التوظيف أمام المزيد من النساء، خاصة في ظل الخصاص الذي تعاني منه المنظومة الصحية بالمغرب على مستوى الأطر الطبية والتمريضية وغيرها، بالإضافة إلى تعبيد الطريق أمام النساء لتولي مناصب المسؤولية بشكل عادل إلى جانب الرجال، وهو الأمر الذي من شأنه تغيير المنظومة الصحية بشكل جذري.

كما أكد على ضرورة توفير الحماية لمهنيات الصحة من التحرش في أوساط العمل، ومن العنف الذي قد يتعرضن له أثناء ممارستهن لعملهن، وتوفير ظروف عمل آمنة لهن، واتخاذ مختلف الإجراءات التي تصب في اتجاه تحسين ظروف العمل بشكل عام. ومن بين السبل الكفيلة بدعم حضور ومساهمة المرأة بفعالية في النهوض بهذا القطاع، سجل الخبير أهمية إيلاء الاهتمام اللازم لموضوع الأمومة “الذي يتحول للأسف في كثير من الأحيان إلى عائق أمام عمل المرأة وطموحاتها المهنية في قطاع الصحة وغيره من القطاعات”. ودعا، في هذا الصدد، إلى “منح المرأة العاملة كافة حقوقها ذات الصلة بالحمل والرضاعة، لنسهل عليها مهمة التوفيق بين الحياة الخاصة والمهنية، لأنه إذا قمنا بتيسير مأمورية المرأة العاملة كأم، فإننا نتمكن من تحسين مردوديتها داخل القطاع الذي تشتغل فيه”.

رغم التفوق العددي للنساء داخل قطاع الصحة، إلا أنه يتضح أن هناك صعوبات جمة ما تزال تعترض طريقهن أمام تحقيق مساهمة أكثر نجاعة في هذا الميدان، وهو ما يستلزم توفير كافة الوسائل التي تتيح لهن العمل في ظروف ملائمة، وحمايتهن من كل أشكال التمييز والمخاطر والعنف الذي قد تتعرضن له أثناء ممارستهن لمهامهن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.