إدمان الشاشات لدى الأطفال.. ظاهرة تحتاج إلى علاج
بقلم: مها رشيد-ومع
لا شك أن الأجهزة الإلكترونية ذات الشاشات، سواء منها التلفاز أو الهواتف الذكية أو غيرها أصبحت اليوم موجودة في كل مكان في الحياة اليومية ومتاحة للجميع. ومع ذلك، فإن تأثيرها على الناشئة، وخاصة الأطفال الصغار، يثير قلقا متزايدا بين الخبراء في صحة الطفل.
وينكب المتخصصون في جميع أنحاء العالم بشكل متزايد على تأثير الشاشات على النمو الدماغي والجسدي واللغوي والحسي للأطفال الصغار. فهل من الممكن اعتبار أن الأطفال الذين تأسرهم الشاشات إنما ينمون قدراتهم الفكرية بشكل طبيعي؟ وهل ينبغي تشجيعهم على الانغماس في هذه العوالم الرقمية دون اتخاذ التدابير اللازمة لحمايتهم وإعادتهم إلى العالم الحقيقي؟
وفي هذا الصدد، يقول طبيب الأطفال، أحمد السالمي، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء إن أدمغة الأطفال تكون في أوج نموها، وحساسة جدا، وهو ما يعني أن التعرض المفرط للشاشات يمكن أن يضر بتطور وظائف الدماغ الأساسية، بما في ذلك الذاكرة والانتباه واللغة.
وعلى الرغم من أن تقييد وصول الأطفال إلى الشاشات يمكن أن يكون معقدا، إلا أن الدكتور السالمي يؤكد على ضرورة الحد من استخدام هذه الأجهزة، خاصة بين الأطفال الذين تقل أعمارهم عن سنيتن.
وأشار إلى أن الاستخدام المطول للشاشات يرتبط غالبا بنمط حياة خامل يساهم في مشاكل صحية مثل السمنة لدى الأطفال، مبرزا أن التعرض المفرط للشاشات يعزز التأخر في النوم والاستيقاظ، ويسبب صعوبة فيهما.
وأوضح أن التعرض للشاشات قبل النوم يمكن أن يحدث اضطرابا في دورة النوم بسبب الضوء الأزرق المنبعث منها، مما يعرقل إنتاج الميلاتونين، هرمون النوم الذي يعد أمرا بالغ الأهمية لنمو الصحة البدنية والعقلية للأطفال.
ويوصي طبيب الأطفال الآباء بوضع حدود صارمة واختيار المحتوى المناسب لعمر أطفالهم، وتشجيع الأنشطة البديلة مثل القراءة والأنشطة الخارجية.
وأكد السالمي في هذا الصدد إلى أن “التفاعل المباشر مع العالم من حولهم أمر ضروري للتنمية الشاملة للأطفال”.
وفي مقابل تقليل مدة التعرض للشاشات، يقترح بعض الخبراء اتباع منهجية أكثر دقة بالتركيز على جودة المحتوى. ذلك أن تشجيع الأطفال على ممارسة الأنشطة الرقمية التعليمية والإبداعية يمكن أن يحفز عقولهم وينمي قدراتهم الفكرية.
ومن هذا المنطلق، حازت فكرة “التخلص من السموم الرقمية” أي فترات الراحة بعيدا عن استعمال الشاشات، شعبية كبيرة بين آباء الأطفال الصغار، حيث تتيح هذه اللحظات دون استعمال الشاشات للأطفال فرصة إعادة الاتصال بالطبيعة، وتطوير قدراتهم الإبداعية وتحسين مهاراتهم الاجتماعية.
وتشير الدراسات إلى أن فترات التوقف الرقمي المنتظمة، تعمل على تحسين التركيز وجودة النوم وتقليل التوتر لدى الأطفال.
وفي هذا الإطار، يتعين على على الأباء والمدرسين وضع قواعد واضحة بخصوص استعمالات الأجهزة الالكترونية من طرف أطفالهم، وحثهم على تبني نظرة نقدية حول المحتوى الذي يستهلكونه، وذلك بهدف تعزيز مرونتهم الرقمية.
وفي الجانب البيداغوجي، تستخدم بعض المدارس أدوات مبتكرة لإدارة استخدام شاشات خلال الفصول الدراسية واللوحات التفاعلية. وتهدف الأقسام الدراسية الخالية من الشاشات أو الفترات المخصصة للتعلم بدون الأجهزة الإلكترونية، إلى تحقيق إدماج التكنولوجيات، مع الحفاظ على الجوانب الأساسية للتعلم.
ونظرا لإدراكهم لتأثير الشاشات على أطفالهم، يحاول بعض الآباء قدر المستطاع الحد من تعرضهم المفرط لهذه الأجهزة، بينما يترك آخرون ممن يشعرون بالإرهاق من ضغوط الحياة اليومية أو المسؤوليات العائلية الصعبة، أطفالهم أمام الشاشات.
وفي هذا السياق، تقول عائشة حول تجربتها مع ابنها البالغ من العمر خمس سنوات، “اعتاد ابني على قضاء ساعات أمام التلفزيون. وأصبح عصبيا، وكان يواجه صعوبة في النوم. كما أنه كان يظهر رغبة أقل في ممارسة الأنشطة البدنية”.
وتضيف “منذ أن قللنا مدة تعرضه للشاشات وشجعناه على المزيد من الأنشطة المتنوعة، تغير سلوكه جذريا، وأصبح أكثر نشاطا واجتماعيا وينام بشكل أفضل بكثير”.
بالرغم من انتشار الشاشات في الحياة اليومية، من الضروري اتخاذ تدابير لحماية رفاهية الأطفال والانتباه لإشارات الإنذار الأولى، من أجل الحد من الاستخدام المفرط للشاشات أثناء الطفولة حتى لا يتحول إلى مرض في مرحلة البلوغ.
وتدل مؤشرات مثل العزلة وضعف العلاقات الاجتماعية والسلبية وتأخر اللغة والتهيج والعدوانية والقلق، وعدم الاهتمام بالأنشطة الاجتماعية، على ممارسة مفرطة تتطلب المزيد من اليقظة.
ويضطلع الأب والمدرس بدور نشط في خلق بيئة متوازنة، حيث يعد النمو الملائم للأطفال مطلبا أساسيا.